فصل: فصل: في أَنْوَاعٍ مُخْتَلَفٍ فِي عَدِّهَا مِنَ الْمَجَازِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فصل: في أَنْوَاعٍ مُخْتَلَفٍ فِي عَدِّهَا مِنَ الْمَجَازِ:

وَهِيَ سِتَّةٌ:
أَحَدُهَا: الْحَذْفُ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنَ الْمَجَازِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْمَجَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَالْحَذْفُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَذْفُ الْمُضَافِ هُوَ عَيْنُ الْمَجَازِ وَمُعْظَمُهُ، وَلَيْسَ كُلُّ حَذْفٍ مَجَازًا.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحَذْفُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادِ، نَحْو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُفَ: 82]؛ أَيْ: أَهْلَهَا؛ إِذْ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُ السُّؤَالِ إِلَيْهَا.
وَقِسْمٌ يَصِحُّ بِدُونِهِ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ شَرْعًا كَقَوْلِه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [الْبَقَرَة: 184]؛ أَيْ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ.
وَقِسْمٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَادَةً لَا شَرْعًا، نَحْو: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشُّعَرَاء: 63]؛ أَيْ: فَضَرَبَهُ.
وَقِسْمٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ غَيْرُ شَرْعِيٍّ وَلَا هُوَ عَادَةً، نَحْو: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طَه: 96]، دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قَبَضَ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَجَازٌ إِلَّا الْأَوَّلَ.
وَقَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي الْمِعْيَار: إِنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا إِذَا تَغَيَّرَ حُكْمٌ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ كَحَذْفِ خَبَرِ الْمُبْتَدَإِ الْمَعْطُوفِ عَلَى جُمْلَةٍ فَلَيْسَ مَجَازًا، إِذْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ مَا بَقِيَ مِنَ الْكَلَامِ.
وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي الْإِيضَاح: مَتَى تَغَيَّرَ إِعْرَابُ الْكَلِمَةِ بِحَذْفٍ أَوْ زِيَادَةٍ فَهِيَ مَجَازٌ، نَحْو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُفَ: 82]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 110]، فَإِنْ كَانَ الْحَذْفُ أَوِ الزِّيَادَةُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْإِعْرَابِ، نَحْو: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [الْبَقَرَة: 19]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 159]، فَلَا تُوصَفُ الْكَلِمَةُ بِالْمَجَازِ.
الثَّانِي: التَّأْكِيدُ، زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا مَا أَفَادَهُ الْأَوَّلُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ.
قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي الْعُمْدَة: وَمَنْ سَمَّاهُ مَجَازًا قُلْنَا لَهُ: إِذَا كَانَ التَّأْكِيدُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ، نَحْوُ: (عَجِّلْ عَجِّلْ) وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَجَازًا جَازَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَإِذَا بَطَلَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَجَازِ بِطَلَ حَمْلُ الثَّانِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ.
الثَّالِثُ: التَّشْبِيهُ، زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَجَازٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ.
قَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي الْمِعْيَار: لِأَنَّهُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، وَلَهُ أَلْفَاظٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا فَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّين: إِنْ كَانَ بِحَرْفٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ بِحَذْفِهِ فَمَجَازٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَذْفَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ.
الرَّابِعُ: الْكِنَايَةُ، وَفِيهَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَام: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَأُرِيدَ بِهَا الدِّلَالَةُ عَلَى غَيْرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا مَجَازٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لِمَنْعِهِ فِي الْمَجَازِ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مَعَ الْمَجَازِيِّ وَتَجْوِيزُهُ ذَلِكَ فِيهَا.
الرَّابِعُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، فَإِنِ اسْتَعْمَلْتَ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمَ الْمَعْنَى أَيْضًا فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْمَعْنَى بَلْ عَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ فَهُوَ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مِنْهَا أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ لِيُفِيدَ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمَجَازُ مِنْهَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ مَوْضُوعِهِ اسْتِعْمَالًا وَإِفَادَةً.
الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، عَدَّهُ قَوْمٌ مِنَ الْمَجَازِ; لِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا رُتْبَتُهُ التَّأْخِيرُ كَالْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرَ مَا رُتْبَتُهُ التَّقْدِيمُ كَالْفَاعِلِ نَقْلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَرْتَبَتِهِ وَحَقِّهِ.
قَالَ فِي الْبُرْهَان: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَجَازَ نَقْلُ مَا وُضِعَ إِلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ.
السَّادِسُ: الِالْتِفَاتُ: قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ قَالَ: وَهُوَ حَقِيقَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَجْرِيدٌ.
فَصْلٌ فِيمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ.
هُوَ الْمَوْضُوعَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَإِنَّهَا حَقَائِقُ بِالنَّظَرِ إِلَى الشَّرْعِ مَجَازَاتٌ بِالنَّظَرِ إِلَى اللُّغَةِ.

.فصل: في الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ:

قِيلَ بِهَا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ:
أَحَدُهَا: اللَّفْظُ قَبْلُ الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا الْقِسْمُ مَفْقُودٌ فِي الْقُرْآنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوَائِلُ السُّورِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْحُرُوفِ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلَامُ.
ثَانِيًا: الْأَعْلَامُ.
ثَالِثُهَا: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمُشَاكَلَةِ، نَحْو: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 54]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشُّورَى: 40]، ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ، فَلَيْسَ حَقِيقَةً، وَلَا عَلَاقَةً مُعْتَبَرَةً فَلَيْسَ مَجَازًا، كَذَا فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ جَابِرٍ لِرَفِيقِهِ.
قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَجَازٌ وَالْعَلَاقَةُ الْمُصَاحَبَةُ.

.خَاتِمَةٌ:

لَهُمْ مَجَازُ الْمَجَازِ، الْمُرَادُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَجَازَ الْمَأْخُوذَ عَنِ الْحَقِيقَةِ بِمَثَابَةِ الْحَقِيقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجَازٍ آخَرَ، فَيَتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ الْأَوَّلِ عَنِ الثَّانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [الْبَقَرَة: 235]، فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ، فَإِنَّ الْوَطْءَ تُجَوِّزُ عَنْهُ بِالسِّرِّ لِكَوْنِهِ لَا يَقَعُ غَالِبًا إِلَّا فِي السِّرِّ، وَتُجَوِّزُ بِهِ عَنِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ، فَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الْأَوَّلِ الْمُلَازِمَةُ، وَالثَّانِي السَّبَبِيَّةُ، وَالْمَعْنَى: لَا تُوَاعِدُوهُنَّ عَقْدَ نِكَاحٍ.
وَكَذَا قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [الْمَائِدَة: 5]، فَإِنَّ قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصَّافَّات: 35] مَجَازٌ عَنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِمَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ، وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللِّسَانِ مُسَبَّبٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْجَنَانِ، وَالتَّعْبِيرُ بِـ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) عَنِ الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْقَوْلِ عَنِ الْمَقُولِ فِيهِ.
وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ السَّيِّدِ قَوْلَهُ: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} [الْأَعْرَاف: 26]، فَإِنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ اللِّبَاسِ، بَلِ الْمَاءُ الْمُنْبِتُ لِلزَّرْعِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ الْغَزَلُ الْمَنْسُوجُ مِنْهُ اللِّبَاسُ.

.النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَشْبِيهِهِ وَاسْتِعَارَاتِهِ:

التَّشْبِيهُ نَوْعٌ مِنْ أَشْرَفِ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ وَأَعْلَاهَا.
قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِل: لَوْ قَالَ قَائِلٌ هُوَ أَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ يَبْعُدْ.
وَقَدْ أَفْرَدَ تَشْبِيهَاتِ الْقُرْآنِ بِالتَّصْنِيفِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْبُنْدَارِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْجُمَانَ وَعَرَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السَّكَّاكِيُّ بِأَنَّهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مُشَارَكَةِ أَوَامِرَ لِأَمْرٍ فِي مَعْنًى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَع: هُوَ إِخْرَاجُ الْأَغْمَضِ إِلَى الْأَظْهَرِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ إِلْحَاقُ شَيْءٍ بِذِي وَصْفٍ فِي وَصْفِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ تُثْبِتَ لِلْمُشَبَّهِ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَأْنِيسُ النَّفْسِ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ خَفِيٍّ إِلَى جَلِيٍّ وَإِدْنَائِهِ الْبَعِيدَ مِنَ الْقَرِيبِ لِيُفِيدَ بَيَانًا.
وَقِيلَ: الْكَشْفُ عَنِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مَعَ الِاخْتِصَارِ.
وَأَدَوَاتُهُ حُرُوفٌ وَأَسْمَاءُ وَأَفْعَالٌ فَالْحُرُوفُ: الْكَافُ، نَحْو: {كَرَمَادٍ} [إِبْرَاهِيمَ: 18]، وَكَأَنَّ، نَحْو: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصَّافَّات: 65].
وَالْأَسْمَاءُ مِثْلٌ وَشِبْهٌ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُشْتَقُّ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُشَابَهَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا تُسْتَعْمَلُ مَثَلُ إِلَّا فِي حَالٍ أَوْ صِفَةٍ لَهَا شَأْنٌ وَفِيهَا غَرَابَةٌ، نَحْو: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آلِ عِمْرَانَ: 177].
وَالْأَفْعَالُ، نَحْو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النُّور: 39]، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طَه: 66].
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ اتِّبَاعًا لِلسَّكَاكِيّ: وَرُبَّمَا يُذْكَرُ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنِ التَّشْبِيهِ، فَيُؤْتَى فِي التَّشْبِيهِ الْقَرِيبِ بِنَحْو: (عَلِمْتُ زَيْدًا أَسَدًا) الدَّالِّ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَفِي الْبَعِيدِ بِنَحْو: (حَسِبْتُ زَيْدًا أَسَدًا) الدَّالِّ عَلَى الظَّنِّ وَعَدَمِ التَّحْقِيقِ.
وَخَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطِّيبِيُّ فَقَالُوا: فِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ تُنْبِئُ عَنِ التَّشْبِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْفِعْلَ يُنْبِئُ عَنْ حَالِ التَّشْبِيهِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَأَنَّ الْأَدَاةَ مَحْذُوفَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى بِدُونِهِ.

.أَقْسَامُ التَّشْبِيهِ:

ذِكْرُ أَقْسَامِه:
يَنْقَسِمُ التَّشْبِيهُ بِاعْتِبَارَاتٍ: الْأَوَّلُ: بِاعْتِبَارِ طَرَفَيْهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا إِمَّا حِسِّيَّانِ أَوْ عَقْلِيَّانِ، أَوِ الْمُشَبَّهُ بِهِ حِسِّيٌّ وَالْمُشَبَّهُ عَقْلِيٌّ، أَوْ عَكْسُهُ.
مِثَالُ الْأَوَّل: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يَس: 39]، {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [الْقَمَر: 20] وَمِثَالُ الثَّانِي: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [الْبَقَرَة: 74].
كَذَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ، وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَاقِعٌ فِي الْقَسْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ بَيْنِ الْقُلُوبِ وَالْحِجَارَةِ، فَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ.
وَمِثَالُ الثَّالِث: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إِبْرَاهِيمَ: 18].
وَمِثَالُ الرَّابِعُ: لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ، بَلْ مَنَعَهُ الْإِمَامُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْحِسِّ، فَالْمَحْسُوسُ أَصْلٌ لِلْمَعْقُولِ، وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْأَصْلِ فَرْعًا وَالْفَرْعَ أَصْلًا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [الْبَقَرَة: 187].
الثَّانِي: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ وَجْهِهِ إِلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ، وَالْمُرَكَّبُ أَنْ يُنْتَزَعَ وَجْهُ الشَّبَهِ مِنْ أُمُورٍ مَجْمُوعٍ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ كَقَوْلِه: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الْجُمُعَة: 5]، فَالتَّشْبِيهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَحْوَالِ الْحِمَارِ وَهُوَ حِرْمَانُ الِانْتِفَاعِ بِأَبْلَغِ نَافِعٍ مَعَ تَحَمُّلِ التَّعَبِ فِي اسْتِصْحَابِهِ.
وَقوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} إِلَى قَوْلِه: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يُونُسَ: 24]، فَإِنَّ فِيهِ عَشْرَ جُمَلٍ وَقْعَ التَّرْكِيبُ مِنْ مَجْمُوعِهَا بِحَيْثُ لَوْ سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ اخْتَلَّ التَّشْبِيهُ إِذِ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ حَالِ الدُّنْيَا- فِي سُرْعَةِ تَقَضِّيهَا وَانْقِرَاضِ نَعِيمِهَا وَاغْتِرَارِ النَّاسِ بِهَا- بِحَالِ مَاءٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَأَنْبَتَ أَنْوَاعَ الْعُشْبِ وَزَيَّنَ بِزُخْرُفِهَا وَجْهَ الْأَرْضِ كَالْعَرُوسِ إِذَا أَخَذَتِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ حَتَّى إِذَا طَمِعَ أَهْلُهَا فِيهَا وَظَنُّوا أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْجَوَائِحِ أَتَاهَا بِأْسُ اللَّهِ فَجْأَةً فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَمْسِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجْهُ تَشْبِيهِ الدُّنْيَا بِالْمَاءِ أَمْرَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ فَوْقَ حَاجَتِكَ تَضَرَّرْتَ، وَإِنْ أَخَذْتَ قَدَرَ الْحَاجَةِ انْتَفَعْتَ بِهِ، فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا طَبَّقْتَ عَلَيْهِ كَفَّكَ لِتَحْفَظَهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا.
وَقوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} الْآيَةَ [النُّور: 35]، فَشَبَّهَ نُورَهُ الَّذِي يُلْقِيهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِمِصْبَاحٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الْإِضَاءَةِ؛ إِمَّا بِوَضْعِهِ فِي مِشْكَاةٍ وَهِيَ الطَّاقَةُ الَّتِي لَا تَنْفُذُ، وَكَوْنُهَا لَا تَنْفُذُ لِتَكُونَ أَجْمَعَ لِلْبَصَرِ.
وَقَدْ جُعِلَ فِيهَا مِصْبَاحٌ فِي دَاخِلِ زُجَاجَةٍ تُشْبِهُ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي صَفَائِهَا، وَدُهْنُ الْمِصْبَاحِ مِنْ أَصْفَى الْأَدْهَانِ وَأَقْوَاهَا وَقُودًا؛ لِأَنَّهُ مَنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ فِي أَوْسَطَ الزُّجَاجِ، {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} فَلَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بَلْ تُصِيبُهَا الشَّمْسُ أَعْدَلَ إِصَابَةٍ.
وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِلْمُؤْمِنِ.
ثُمَّ ضَرَبَ لِلْكَافِرِ مَثَلَيْن: أَحَدُهُمَا {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} وَالْآخَرُ {كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ أَيْضًا تَشْبِيهُ تَرْكِيبٍ.
الثَّالِثُ: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: تَشْبِيهُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَاسَّةُ بِمَا لَا تَقَعُ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ، فَإِنَّ إِدْرَاكَهُمَا أَبْلَغُ مِنْ إِدْرَاكِ الْحَاسَّةِ كَقَوْلِه: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصَّافَّات: 65]، شَبَّهَ بِمَا لَا يُشَكُّ أَنَّهُ مُنْكَرٌ قَبِيحٌ لِمَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنْ بَشَاعَةِ صُورَةِ الشَّيَاطِينِ، وَإِنْ لَمْ تَرَهَا عَيَانًا.
الثَّانِي: عَكْسُهُ، وَهُوَ تَشْبِيهُ مَا لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَاسَّةُ بِمَا تَقَعُ عَلَيْهِ كَقَوْلِه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النُّور: 39]، أَخْرَجَ مَا لَا يُحَسُّ وَهُوَ الْإِيمَانُ إِلَى مَا يُحَسُّ وَهُوَ السَّرَابُ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بُطْلَانُ التَّوَهُّمِ مَعَ شَدَّةِ الْحَاجَةِ وَعِظَمِ الْفَاقَةِ.
الثَّالِثُ: إِخْرَاجُ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ إِلَى مَا جَرَتْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الْأَعْرَاف: 171]، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِارْتِفَاعُ فِي الصُّورَةِ.
الرَّابِعُ: إِخْرَاجُ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ إِلَى مَا يُعْلَمُ بِهَا كَقَوْلِه: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الْحَدِيد: 21]، وَالْجَامِعُ الْعِظَمُ، وَفَائِدَتُهُ التَّشْوِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ بِحُسْنِ الصِّفَةِ وَإِفْرَاطِ السَّعَةِ.
الْخَامِسُ: إِخْرَاجُ مَا لَا قُوَّةَ لَهُ فِي الصِّفَةِ إِلَى مَا لَهُ قُوَّةٌ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرَّحْمَن: 24]، وَالْجَامِعُ فِيهِمَا الْعِظَمُ، وَالْفَائِدَةُ إِبَانَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْخِيرِ الْأَجْسَامِ الْعِظَامِ فِي أَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَاءِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ انْتِفَاعِ الْخَلْقِ بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَقَطْعِهَا الْأَقْطَارَ الْبَعِيدَةَ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَا يُلَازِمُ ذَلِكَ مِنْ تَسْخِيرِ الرِّيَاحِ لِلْإِنْسَانِ، فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ بِنَاءً عَظِيمًا مِنَ الْفَخْرِ وَتَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ تَجْرِي تَشْبِيهَاتُ الْقُرْآنِ.
السَّادِسُ: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى: مُؤَكَّدٍ: وَهُوَ مَا حُذِفَتْ فِيهِ الْأَدَاةُ، نَحْو: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النَّمْل: 88]؛ أَيْ: مِثْلَ مَرِّ السَّحَابِ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الْأَحْزَاب: 6]، {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آلِ عِمْرَانَ: 133]، وَمُرْسَلٍ: وَهُوَ مَا لَمْ تُحْذَفْ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَالْمَحْذُوفَةُ الْأَدَاةِ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ الثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ تَجَوُّزًا.
قَاعِدَةٌ:
الْأَصْلُ دُخُولُ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُشَبَّهِ، إِمَّا لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فَتَقْلِبُ التَّشْبِيهَ وَتَجْعَلُ الْمُشَبَّهَ هُوَ الْأَصْلَ، نَحْو: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [الْبَقَرَة: 275]، كَأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرِّبَا لَا فِي الْبَيْعِ، فَعَدَلُوا عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا مُلْحَقًا بِهِ الْبَيْعُ فِي الْجَوَازِ وَأَنَّهُ الْخَلِيقُ بِالْحَلِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النَّحْل: 17]، فَإِنَّ الظَّاهِرَ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ سَمَّوْهَا آلِهَةً، تَشْبِيهًا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَجَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ، فَخُولِفَ فِي خِطَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ بَالَغُوا فِي عِبَادَتِهِمْ، وَغَلَوْا حَتَّى صَارَتْ عِنْدَهُمْ أَصْلًا فِي الْعِبَادَةِ، فَجَاءَ الرَّدُّ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ.
وَإِمَّا لِوُضُوحِ الْحَالِ، نَحْو: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آلِ عِمْرَانَ: 36]، فَإِنَّ الْأَصْلَ وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ؛ وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ الَّذِي طَلَبْتُ كَالْأُنْثَى الَّتِي وُهِبْتُ. وَقِيلَ: لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ لِأَنَّ قَبْلَهُ {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آلِ عِمْرَانَ: 36].
وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِمَا اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ، نَحْو: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} الْآيَةَ [الصَّفّ: 14]، الْمُرَادُ: (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ خَالِصِينَ فِي الِانْقِيَادِ كَشَأْنِ مُخَاطِبِي عِيسَى إِذْ قَالُوا..)
قَاعِدَةٌ:
الْقَاعِدَةُ فِي الْمَدْحِ تَشْبِيهُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى، وَفِي الذَّمِّ تَشْبِيهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى؛ لِأَنَّ الذَّمَّ مَقَامُ الْأَدْنَى، وَالْأَعْلَى طَارِئٌ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ فِي الْمَدْح: الْحَصَى كَالْيَاقُوتِ، وَفِي الذَّمّ: يَاقُوتٌ كَالزُّجَاجِ. وَكَذَا فِي السَّلْبِ، وَمِنْهُ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الْأَحْزَاب: 32]؛ أَيْ: فِي النُّزُولِ لَا فِي الْعُلُوِّ {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]؛ أَيْ: فِي سُوءِ الْحَالِ؛ أَيْ: لَا نَجْعَلُهُمْ كَذَلِكَ.
نَعَمْ، أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النُّور: 35]، فَإِنَّهُ شَبَّهَ فِيهِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، لَا فِي مَقَامِ السَّلْبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ إِلَى أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ؛ إِذْ لَا أَعْلَى مِنْ نُورِهِ فَيُشَبَّهُ بِهِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَع: لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَشْبِيهُ شَيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ تَشْبِيهُ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ.